سعة الحيلة ... قصة حقيقية ادخل وأقرا *

سعـــة الحيلـــة

كان
تاجرٌ من كبار التجار في عهد المأمون سائراً نحو بغداد في تجارة كبيرة ،
فقُطع عليه الطريق بالنهروان ، سُلب منه ثلاثون ألف دينار ، ولم يستطع أن
يستردَ مالَهُ ، فأحوجه العوز إلى الإحتيال ، فدخل مسجد بغداد في يوم من
أيام الجمعه وجلس على قرب من المنبر ، فلما خرج الإمام من الصلاة صعد
المنبر وصاح بأعلى صوته قائلاً :
" يا معشر المسلمين !!! لستُ بمتصدق ٍ ولا طالب ٍ حاجة ... اعلمُوا أن لي
ما ليس لله ، وعندي ما لا عند الله ، ومعي زرع ينبتُ من غير بذار ، وسراج
يُضئ من غير نار ، وأنا أحب الفتنة ، وأكره الحق ، واكل الميتة ، وأشربُ
الدم ، وأشهدُ ما لا أرى ، وأشهدُ أن النصارى قالت الحق ، وأشهدُ أن
اليهودَ قالت الحق ، وأصلي من غير وضوءً " .
فوثب عليه الناس واقتادوه إلى دار الخلافة ، فلما سمع المأمون جلبة الناس
وضوضاءهم ، قال : مالخبر ؟ فقالوا : ياأمير المؤمنين : رجل كفر في المسجد
وقد جئنا به لتضربَ عنقه !!! .
فقال المأمون : ائتوني به ، فلما مثُل بين يديه سلم سلام الخلافة ، فناداه
: ياهذا ماحملُك على هلاك نفسك ؟ ! ، إن كنت فقيراً أغنيناك ، وإن كنت
مريضاً داويناك ، فقال : لستُ بفقير ٍ ولا مريض ٍ ، و إنما أنا تاجرٌ
قُطِع علىَّ الطريق بالنهروان ، وأُخِذَ مني ثلاثون ألف دينار ، ولبثتُ
سنة أشكو وأتظلم فلم يأخذ العامل إلىّ بحقي ، فاحتلتُ بهذه الحيلة حتى
وصلتُ إلى بين يديك ، وقد أوضحتُ عذري إليك ، فإذا أنا صدقتُ فيما قلته
وظهر حقاً تعوضني ما ذهب مني ؟ فقال المأمون : وأكثرُ من ذلك ، فقال :

يا أمير المؤمنين : أقول : " إن لي ما ليس لله " ، فلي زوجة ووالد وولد ، والله واحد أحد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد .
اما قولي : " إن عندي ما لا عند الله " ، فعندي الجور والمكر والظلم والخديعة ، والله تعالى منزهٌ عن ذلك .
أما قولي : " إن معي زرعاً ينبتُ من غير بذار " ، فالزرع شكري .
أما : " السراج الذي يُضئ من غير نار " ، فهو عيناي .
أما قولي : " إني أحبُّ الفتنة وأكرهُ الحق " ، فالفتنة هى الأولاد والمال
، لقوله تعالى : ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) ، والحق : هو الموت ونحن
نبغضه .
أما قولي : " إني أُحبُّ أكل الميتة وأشربُ الدم " ، فقد قال عليه الصلاة
والسلام : " أُحِلت لنا ميتتان : السمك والجراد ، ودمان الكبد والطحال " .
أما قولي : " أشهدُ ما لا أرى " ، فأنا أشهدُ أن لا إله إلاَّ الله وأشهدُ أن سيدنا محمدا رسول الله .
أما قولي : " إن النصارى قالت الحق " ، فمرادي قوله تعالى : ( وقالت النصارى ليست اليهود على شئ ) .
أما قولي : " إن اليهود قالت الحق " ، فمقصودي قوله تعالى : ( وقالت اليهود ليست النصارى على شئ ) .
وأما قولي : " أُصلي من غير وضوء " ، فإني أُصلي على النبي صلى الله عليه وسلم !!!

فأعجب
المأمون به ، وأمر له بستين ألف دينار من بيت المال ، وكتب إلى عامله
بالنهروان أنه معزول من تلك الولاية ، وأرسل إليها عاملاً غيرهُ " .

(( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار ))